سورة القلم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22)}
قوله تعالى فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ أي كالليل المظلم عن ابن عباس والفراء وغيرهما. قال الشاعر:
تطاول ليلك الجون البهيم *** فما ينجاب عن صبح بهيم
أي احترقت فصارت كالليل الأسود. وعن ابن عباس أيضا: كالرماد الأسود. قال: الصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة. الثوري: كالزرع المحصود فالصريم بمعنى المصروم أي المقطوع ما فيه.
وقال الحسن: صرم عنها الخير أي قطع، فالصريم مفعول أيضا.
وقال المؤرج: أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل. يقال: صريمة وصرائم، فالرملة لا تنبت شيئا ينتفع به.
وقال الأخفش: أي كالصبح انصرم من الليل.
وقال المبرد: أي كالنهار، فلا شيء فيها. قال شمر: الصريم الليل والصريم النهار، أي ينصرم هذا عن ذاك وذاك عن هذا.
وقيل: سمي الليل صريما لأنه يقطع بظلمته عن التصرف، ولهذا يكون فعيل بمعنى فاعل. قال القشيري: وفي هذا نظر، لان النهار يسمى صريما ولا يقطع عن تصرف.


{فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25)}
قوله تعالى: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ} أي يتسارون، أي يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة. وهو من خفت يخفت إذا سكن ولم يبين. كما قال دريد بن الصمة:
وإني لم أهلك سلالا ولم أمت *** خفاتا وكلا ظنه بي عودي
وقيل: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم. وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضروا وقت الحصاد والصرام. {وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ} أي على قصد وقدرة في أنفسهم ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم. قال معناه ابن عباس وغيره. والحرد القصد. حرد يحرد بالكسر حردا قصد. تقول: حردت حردك، أي قصدت قصدك. ومنه قول الراجز:
أقبل سيل جاء من عند الله *** يحرد حرد الجنة المغلة
أنشده النحاس:
قد جاء سيل جاء من أمر الله *** يحرد حرد الجنة المغلة
قال المبرد: المغلة ذات الغلة.
وقال غيره: المغلة التي يجري الماء في غللها أي في أصولها. ومنه تغللت بالغالية. ومنه تغليت، أبدل من اللام ياء. ومن قال تغلفت فمعناه عنده جعلتها غلافا.
وقال قتادة ومجاهد: عَلى حَرْدٍ أي على جد. الحسن: على حاجة وفاقه.
وقال أبو عبيدة والقتيبي: على حرد على منع، من قولهم حاردت الإبل حرادا أي قلت ألبانها. والحرود من النوق القليلة الدر. وحاردت السنة قل مطرها وخيرها.
وقال السدي وسفيان: عَلى حَرْدٍ على غضب. والحرد الغضب. قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي: وهو مخفف، وأنشد شعرا:
إذا جياد الخيل جاءت تردي *** مملوءة من غضب وحرد
وقال ابن السكيت: وقد يحرك تقول منه: حرد بالكسر حردا، فهو حارد وحردان. ومنه قيل: أسد حارد، وليوث حوارد.
وقيل: عَلى حَرْدٍ على انفراد. يقال: حرد يحرد حرودا، أي تنحى عن قومه ونزل منفردا ولم يخالطهم.
وقال أبو زيد: رجل حريد من قوم حرداء. وقد حرد يحرد حرودا، إذا ترك قومه وتحول عنهم. وكوكب حريد، أي معتزل عن الكواكب. قال الأصمعي: رجل حريد، أي فريد وحيد. قال والمنحرد المنفرد في لغة هذيل. وأنشد لابي ذؤيب:
كأنه كوكب في الجو منحرد ***
ورواه أبو عمرو بالجيم، وفسره: منفرد. قال: وهو سهيل.
وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم. السدي: اسم جنتهم، وفية لغتان: حرد وحرد. وقرأ العامة بالإسكان. وقرأ أبو العالية وابن السميقع بالفتح، وهما لغتان. ومعنى قادِرِينَ قد قدروا أمرهم وبنوا عليه، قاله الفراء.
وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم وقال الشعبي: قادِرِينَ يعني على المساكين.
وقيل: معناه من الوجود، أي منعوا وهم واجدون.


{فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} أي لما رأوها محترقة لا شيء فيها قد صارت كالليل الأسود ينظرون إليها كالرماد، أنكروها وشكوا فيها.
وقال بعضهم لبعض: إِنَّا لَضَالُّونَ أي ضللنا الطريق إلى جنتنا، قاله قتادة.
وقيل: أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا وعلى نية منع المساكين، فلذلك عوقبنا. {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي حرمنا جنتنا بما صنعنا. روى أسباط عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إياكم والمعاصي إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا كان هي له- ثم تلا- {فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} [القلم: 19]» الآيتين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8